قالوا

 يعيش الجميع اليوم عصر الثورة المعلوماتية التي تنتشر فيها الأفكار و المعلومات بسرعة و سهولة من و إلى أي بقعة من بقاع العالم، و لكن ما فائدة هذا الكم الهائل من المعلومات في ظل هيمنة رأي واحد و فلسفة واحدة على نوعية هذه المعلومات، و أعني بذلك الولايات المتحدة الأمريكية التي تعكس بمثل هذه الأفعال حقيقة العالم الذي تمثله و تريد في نفس الوقت.

الأستاذ علي السكري
من الذي صام؟ الدرازيون أم النعيميون؟   |    في ذمة الله الشَّابة زهراء عبدالله ميرزا صالح   |   ذمة الله تعالى الحاجة جميلة حسن عبدالله    |   على السرير الأبيض الحاج خليل إبراهيم البزاز أبو منير    |   برنامج مأتم الجنوبي في ذكرى ولادة السيدة الزهراء    |   في ذمة الله حرم الحاج عبدالله سلمان العفو (أم ياسر)   |    في ذمة الله الطفلة زهراء جابر جاسم عباس   |   نبارك للأخ الطالب محمد حسن علي ثابت حصوله على الماجستير في إدارة الأعمال    |   رُزِقَ الأخ عبدالله علي آل رحمة || كوثر || 12/12/2021   |   دورة تغسيل الموتى    |   
 
 الصفحة الرئيسية
 نبذة تاريخية
 أنشطة وفعاليات
 مقالات
 تعازي
 شخصيات
 أخبار الأهالي
 إعلانات
 النعيم الرياضي
 تغطيات صحفية
 ملف خاص
 خدمات الشبكة
 المكتبة الصوتية
 معرض الصور
 البث المباشر
 التقويم الشهري
 أرسل خبراً
 اتصل بنا
 
مقالاتالأستاذ كريم المحروس
 
فلا تأسوا على الخواجة والمجلس العلمائي
الأستاذ كريم المحروس - 2004/11/02 - [الزيارات : 5527]

بسمه تعالى

فلا تأسوا على الخواجة والمجلس العلمائي

 

 

  كان قرار الانتقال من ساحة العمل السياسي في كل من سوريا ولبنان إلى العاصمة البريطانية معقدا جدا ولكني عزمت على ركوبه بعد أن أخذني شوق للاستزادة في المعارف حول بلاد الغرب وفرص استغلال قيمها في الحرية السياسية، فتصورت طبيعة الحياة فيها بما توافر لدي من معطيات معرفية جمعتها فصدقتها على بينة من أمري فتوكلت.

 

  وفي عاصمة الضباب جاء بي سوء الحظ في أيامي الأولى إلى مكتب عقاري.. فيه التقيت موظفا تقدم لي بأفضل خيارات ما عنده من مساكن ليكون لي إحداها مأوى يضمني وعائلتي . وما كان لي أن اختار سكنا استأجره من هذا المكتب العقاري إلا مِن بعد التحقق مِن مواصفاته ومن خُلق صاحبه أيضا . فعمدت إلى إثارة الحديث مع هذا الموظف تطبيقا لقول أمير المؤمنين عليه السلام : ( تكلموا تعرفوا فإن المرء مخبوء تحت لسانه) . فتأكد لي بأن صاحبي هذا عراقي المولد وعلى دين اليهودية وإنه لجأ إلى بريطانيا منذ ثلاثة عقود من الزمن حتى استقر به المقام للعمل في الشأن العقاري.

 

  وبينما كنا نهم بركوب السيارة قاصدين المساكن المعروضة للإيجار ، تجاذبنا أطراف الحديث . وقال فيما قاله:

  ( لقد كان اليهود أشتاتا – كما تعرف - ولكنهم اكثر الناس إدراكا لواقع أمتهم قبل أقوامهم ومذاهبهم وشتاتهم، ولذلك قيض لهم الأمر فأقاموا دولتهم على أنقاض بلد له تاريخه وكل مكونات ومقومات بيئته السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية في ظرف دولي متناقض .. إن شئت .. قل متباين أو  متضارب الأهواء والمصالح .. واليك شيئا من التاريخ فأنا علماني يهودي ولكني أحدثك : أنكم تقرون بأن قوم موسى لا يزيدون على 600 ألف خرجوا معه أنصارا مؤمنين .. صبر منهم 12الفا فقط على طاعته ، وقال قرآنكم فيهم أنهم أُمروا بعد ذلك أن يُقَتِّلوا أقرانهم من والد وولد ممن خالفوا موسى وعبدوا عجل السامري ، وكان عددهم 588 الفا.. فتأمل .. أن عبدة العجل تراجعوا بعد كفرهم أو شركهم إلى دين ربهم وتابوا فقبلوا بأمر القتل عقابا بحقهم وهم صاغرون .. بينما بقي على دين الإسلام ونصرة نبيكم محمد عدد يزيدون أو يقلون عن سبعة أشخاص فقط من بين 500 ألف عاندوا ثم انقلبوا على سنته ولم يكونوا بعد ذلك من الصاغرين . ولو أخذنا النسبة العددية في هذه الأرقام وطبيعة الموقف اللاحق للانقلاب لتأكد لنا بأن قوم موسى كانوا اكثر وفاء لنبيهم ودينهم وكم كان نبيكم يعاني ويشقى. فلا عجب اليوم أن يكونوا اكثر وفاء لما يؤمنون فيجعلون لهم غاية كبرى يلتقون وتتفق جوارحهم عليها ،فلا تهم عندهم بعد ذلك سبل الاختلاف والوسائل).

 

  وأضاف صاحبنا اليهودي :

   (إن عدد معتنقي الديانة اليهودية في لندن يشكلون نسبة 80% من يهود بريطانيا، وان غالبيتهم خليط من العلمانيين والمتدينين لكنهم من المؤيدين للدولة العبرية في فلسطين.. يزورنها ويلتقون كبار شخصياتها السياسية والاقتصادية المتدينة وغير المتدينة على حد سواء ،فيدخلون معهم شركاء في مشاريع اقتصادية متنوعة في كل بلاد العالم ، وما بريطانيا إلا واحدة من بين 200 بلد . ولا يهم عندهم كيف يحكم السياسيون والاقتصاديون وكيف يفكر المتدينون وغير المتدينين ، بل المهم بالنسبة لأي يهودي في بلاد العالم هو النظر إلى كيفية دعم الدولة العبرية بالصيغة التي يألفها ويهواها وبالشكل الذي يؤمن به ويرتئيه مادامت كلها قائمة على استغلال القواعد السياسية أو الاقتصادية المتوافرة في البلاد التي يقطنونها وتزيد فيهم نفوذا ، فإذا كان الاقتصاد غالبا كان نشاطهم الاممي اقتصاديا موافقا، وإذا كانت السياسية غالبة كان نشاطهم الاممي سياسيا محضا. وبتعدد البلاد التي يتواجدون على أرضها تتعدد ألوان الدعم الاممي للدولة العبرية ، فتقوى شوكة سياستها واقتصادها والقائمين على زعامتها.

 

  وقد أخذنا نحن اليهود بمختلف مشاربنا ومذاهبنا ، عن الغرب مناهجهم في العمل السياسي والاقتصادي والديني لأننا ميزنا بأن للغرب حضارة في " المنهج" وتطوره ، وكل ما تعداه فهو لا يخرج على خصوصية حقنا في الجرح والتعديل ، فكان مسعانا وتأسيسنا في الدولة على غير وجه حق ولكن الغرب انقلب لصالحنا مجبرا مكتوف الأيدي ، وكان لنا كل ما نريد ونأمل ونرغب ، ووصلنا إلى مرادنا .. ألم يقل قرآنكم { كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا}

 

  فأين انتم من عطاء ربكم ؟ .. انتم مازلتم تفرغون فرص الحياة من معانيها الحقيقية ، وتتبعون اثر عثرات وعورات الغرب واليهود معا فجعلتمونا مشجبا على مسلخ نقدكم ومقارناتكم في فكركم الجديد وانتم كلكم عورات توارونها الثرى ، فدرتم مدار حقكم فيما تملكون من نظرية دينية ترونها أحق أن تتبع ، ومدار ما نمتلك من سلوك عملي تعتبرونه جاهليا. والحق ..إننا الآن لا نؤمن بالغيب وما وراء المادة وانتم تؤمنون ، ونؤمن بالعلم في المادة في كل صورها الكلية والجزئية وانتم تؤمنون بالكثير وتكفرون ببعض)! .

 

  ولم أكن لأغادر هذا الموظف إلى مكتب عقاري آخر قبل أن أسأله عن خلفية صراحته معي . فأجاب بقول من سنخ ما رأيت فيه من قبل:

 

(وما كان لي أن اختار مستأجرا إلا من بعد التحقق من هويته ومواصفاته ومن خُلق صاحبه أيضا)!

 

فقلت له :

وأنا المستأجر كذلك.. هذا فراق بيني وبينك !

 

  إن لهذا اليهودي استقراء ومنطقا مبنيا على فلسفة ظالّتها المعرفة بأبعادها المختلفة والمتنوعة ، فكسبها من مصادرها. وقد أثار حديثي معه الكثير من الدفائن العقلية في ذهني بعدما رجعت إلى واقع الأحداث التي تتصاعد يوما بعد يوم في جزيرتنا الصغيرة .

 

   فنحن شعب يمتلك نصوصا دينية مقدسة يرجع إليها ويقدمها قواعد على علومه المتعلقة بالشأن المادي العلمي ، وبشأن ما وراء الطبيعة عند من لا (عرفان) له ، فيشارك الماديين علومهم ويتميز عليهم بعلوم ما وراء المادة . كما أن لديه تاريخا عظيما فيه عبر لا تحصى . وعجيب أن نجد من البشر من يستند إلى وقائعه التاريخية وبعض من القصص الأسطورية فحسب ليبني له ولقومه إمبراطورية سرية عالمية عمدتها النفوذ المطلق في كل مكان تمهيدا لتحقيق دولة على أنقاض وأنفاس بلاد أخرى، بينما نحن نمتلك نصوصا دينية مقدسة لا تتناقض مع العقل وخلق المعقولات إضافة إلى وقائعنا التاريخية الدينية والوطنية المميزة ، وندعي أننا نعض عليهما بالنواجذ . ومع كل ذلك نفشل في تحقيق الأدنى من وحدة الرؤية والصف والموقف في الطائفة الواحدة ، فنخلط بين قيم هذه الوحدة المفقودة وبين حق المواطن كفرد فاعل في النقد والتعبير عن الرأي .فإذا بنا رؤى متباينة ، وصفوف متناقضة ، ومواقف متغايرة ، وقيم مرتبكة، وجهالة في النقد المضاد الساذج البسيط - من قضايا واضحة وجلية في معطياتها السياسية والاجتماعية السلبية منها والإيجابية ، كما إنها ليست بوقائع حادثة ومستجدة حتى تكون بحاجة لعناء اجتهاد وحنكة ذهنية للوصول إلى حقائقها الأولية . فلقد مررنا بانتفاضات تتبعها انتفاضات ، ووقائع قمع تلحقها وقائع أخرى بلا حرج عند محدثها، ونتائج فشل وإحباط لُدغنا بها مرارا بلا أي حرج عند محدثها أيضا، فلم نحقق ما كنا نصبوا إليه. فكان (هرجنا ومرجنا) ضد بعضنا لازمة من لوازم حياتنا اليومية !.  

 

  فهل كتب علينا أن نجعل محمدا (صلى الله عليه وآله) وهو فينا يقاتل ونحن له قاعدون متربصون، فنخلّفه وراء ظهورنا وسبعة فقط من أنصاره على الهدى ثم نستقل على ظَلال 500 الف بعنادنا حتى تقوم الساعة فلا نتعظ من قوم آخرين كانوا اكثر وفاء لنبيهم موسى (عليه السلام) .. خذله بعضهم ساعة ثم عادوا إلى رشدهم فتابوا فقبلوا بحكم الله المنفذ على يد أقرانهم الـ 12 الف من ذويهم فصبروا على البلاء .. ثم تبع هذا القوم قوم آخرون فحكموا الدنيا بنفوذهم وولدوا فينا كيانا يستنزف كل طاقاتنا وموارد أجيالنا القادمة .  

 

  مشكلتنا الرئيسية أننا محصنا بالبلاء مرارا فقل فينا الواعون بذات البلاء وبسبل الخلاص منه ، فغاب عنا  المنهج السليم الذي يبصرنا في اهتماماتنا السياسية والاجتماعية ونأت أنفسنا عن دلالة مصادرنا الشرعية وتعاليمها. فكلما عزمنا على اتخاذ موقف مغاير أو مباين أو مضاد من واقعنا السلبي ، فإننا نلجأ أولا للبحث عن الحلقات الأضعف في جانبنا ، ونصبوا إلى القليل في جانب السلطات . ولا نعرف في النضال مسعى للكمال وكأننا من رواد عرفان (ابن عربي) في الإيمان بوحدة الوجود فلا حاجة لنا في الكمال لأننا عين الكمال وذاته، والحال أن الله سبحانه وتعالى فطرنا على حب الكمال وميزنا به عن الغرائز والطبيعة.

 

  ففي الواقعتين الأكثر تفاعلا في ساحتنا النضالية الآن ، هما:

-        واقعة اعتقال الأستاذ الكبير عبد الهادي الخواجة والاستمرار في احتجازه .

-        وواقعة الإعلان عن تأسيس مجلس إسلامي علمائي .

 

  كان في الواقعة الأولى: إحياء لمشروع معارض قضى بالسعي لفصل منصب رئاسة الوزراء عن إطار مبدأ سيادة العائلة المالكة ، كانت المعارضة تبنته لأسابيع قليلة ردا على الإعلان المفاجئ عن دستور 2002م بديلا عن دستور 1973م ولم يَقْدم أحد على رهن هذا المشروع مبدأ الجرح والتعديل ، لأن العقول آنذاك كانت مقفلة حتى تراجعت المعارضة عنه لأسباب غير وجيهة. وقد عبر الأستاذ الخواجة عن هذا المشروع السياسي من جديد بكلمات لامست آذان قلوب الناس قبل رؤوسهم ، فأحيت بذلك ما أعرض عنه كبار قومنا من قبل جزعا. وقد جرى ما جرى من محاولات انقلابية سلبية منظمة ومضادة لما ذهب إليه الخواجة لم تدرك هذه المحاولات بعد أن حركة النضال السياسي المتعدد الأشكال على قاعدة منهج تكاملي وهدف أسمى وأعلى- هي من الممكنات جدا والأكثر جدوى بشرط أن تتقبل الجهات المعارضة بوصفها مسعى مؤسسي لنيل الكمال على الصعيد الإنساني والوطني - أن تكون محلا حادثا للمرونة السياسية وفن الاستيعاب على قاعدة صلبة من الاحتياطات اللازمة. وهذا يلزمها بالتحلى بصفة المساعاة الجادة والخيرة نحو التكامل مع نضال الآخرين ، لا أن تدعي الكمال المطلق الموجب لحكر النضال عمن لا يتصور فيه الكمال أو الأهلية أو الكفاءة الشرعية !.

 

  فمن يلزم نفسه بتجريد الآخرين من فعلهم النضالي ثقة في قدرته على إبقاء ساحة نضاله مستقرة على رأيه ذي اللون الواحد؛ فعليه أن يعيد النظر في شرعية علومه ( العرفانية ) فضلا عن معارفه النضالية في اللعبة السياسة أولا .. وان يعي ثانيا بأن نضالا ذي بعد واحد في مثل هذا العصر المعقد وفي مثل هذا الظرف الذي تعددت فيه مرجعياتنا الدينية والسياسية والاجتماعية - لا يمكن له الوصول إلى مراميه إلا إذا حل في ذاته مستبدا يتوارى خلف مجهول فكري غير شرعي.

 

   إن السكوت على إبقاء الأستاذ الخواجة رهن الاعتقال أو الاحتجاز بحجة الانشغال باستراتيجيات اكثر أهمية لا يغني عن الحق شيئا .. فهو واحد منا ومواطن تشرد خارج الوطن عقودا من الزمن ، وعاد إلى وطنه متفرغا للدفاع عن حقوق الشعب ومطالبا السلطات بالوفاء بالتزاماتها وواجباتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية . وان الهروب إلى قضايا أخرى جانبية سيعزز عند السلطات قرار الاحتجاز بشكله التعسفي وسيحفزها على الاستمرار في شن حملات الاعتقال لأسباب جانبية تافهة ربما تنسحب على شخصيات دينية أو وطنية أخرى.

 

  وفي الواقعة الثانية: كانت هناك قفزة نوعية متقدمة إلى الإمام من خلال الإعلان عن المجلس العلمائي بعد تراجع المشروع السياسي المعارض برمته وفوز حكومي ساحق كانت خلاصته إشغال المعارضة بآمالها الكبيرة والمتضخمة في دائرة حوار ضيق ضعيف التمثيل ، وفي دائرة استفزاز مثير أخذ في الآونة الأخيرة شكل مشاريع بقوانين متعددة المهام السياسية والثقافية والأمنية، كقانون الجمعيات السياسية وقانون تنظيم المسيرات والتظاهرات والاحتفالات العامة وقانون تقنين المساجد وصلاة الجمعة والجماعة والقائمين عليها وقانون نظم الأحوال الشخصية وغيرها .

 

   لقد كان المجلس العلمائي بالنسبة لي محل إعجاب لحظة الإعلان عنه وقبل توافر تفاصيل أخرى عن طبيعته والكيفية التي أقامته ونظامه الإداري ولائحته الداخلية وردود الفعل التي تبعته. فقد رد هذا المجلس استفزاز السلطة وبضاعتها إليها ، وأخرجها عن دائرة الفعل إلى رد الفعل.

 

  ويعتبر المجلس إلى جانب موقف الأستاذ الخواجة أفضل واكثر واقعتين شعبيتين تأثيرا وتمثيلا للحس الشعبي وتعبيرا عن الموقف السياسي والاجتماعي المؤثر أمام تعنت السلطات وغيها في مشروع التهميش والإقصاء عن الحق العام المطالب بالمشاركة الفعلية في بلورة وصنع القرار السياسي المصيري للبلاد- برغم تأخرهما زمنيا عن ظروفهما المناسبة.

 

  ومثل هاتين الواقعتين كان الواجب حدوثهما قبل عرض السلطات لميثاقها الوطني للاستفتاء .. أو في فترة الانتظار قبل الإعلان عن تفعيل الدستور والدعوة لانتخابات شعبية مباشرة لاختيار مجلس نيابي في أسوء الأحوال، حتى يزيد ذلك من الصلابة في الإرادة الشعبية وسيادتها وتقدمها على فكر الاستبداد ورؤوسه الموغلة في حركة القمع المضاد. وكنت تقدمت بمقترح في هذا المجال لبعض إخواننا في مجموعة الحوار قبل تشظيها ، دعا إلى إظهار الديمومة والتنظيم في الحركة الشعبية وإصرارها على مطالبها كاملة غير منقوصة عبر مجموعة من الأنشطة الاستعراضية المناسبة التي تجعل من مشروع الاتفاق على (شفا هاوية) حتى لا تُنتقض أو تنتقص العهود والمواثيق ، من قبيل المسيرات الهادفة والإعلام المضاد المنظم . ولكني وصلت مجموعة الحوار في الوقت الضائع حيث كانت المجموعة خائرة حائرة وتترنح تحت أثر ضغوط هائلة من اثر تجاذب الأقطاب الجديدة التي حلت بديلا قسريا عن القيادة الموحدة للانتفاضة.

 

  وفي ظني : أن الخمول الذي أصاب الإرادة الشعبية على مدى ثلاثة أعوام مضت وأوصلتنا إلى الخسران المبين ؛كانت علتها جمود المعارضة على آمالها وتقيدها بسلوك الحمل الساذج أمام ذئاب كانت تئن تحت وطأة أحداث الانتفاضة الأخيرة .. وما أن التأمت جراح هذه الذئاب في متسع من الوقت وفي بيئة مستقرة نصّبها الحمل الساذج حتى تفتحت عيونها أمام وجبة العصر الدسمة، فاستحق الحمل أن يكون فريسة في احتفالية مدخل القرن الجديد!. ولو أن المعارضة ظلت على طراوتها وكانت اكثر صلابة ومنعة وقوة في صنع المواقف المناسبة وما يتبعها من مؤسسات نوعية ،وحافظت على كيانها الأولي بلا أية مشاحنات وتجاذبات مضمرة ،  لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم.

 

  ولازلنا إلى يومنا هذا ندفع ضريبة ذلك الخمول ، فلم نتداول هاتين الواقعتين بشكل مناسب. ففي الأولى ظننا سوء بأنها بديلا ثقيل الظل عن واقع سياسي تبنته المعارضة .. والرجل مازال حبيس القضبان . وفي أحسن الأحوال قلنا بأنه مشروع نضالي قد يُذهب بما تعارفت عليه خطط الحوار المعارض إلى طريق آخر غير واضح المعالم فضربنا أخماسا في أسداس على آمال لنتائج جديد وفاعلة قد تتمخض عن  مؤتمر دستوري قادم . والحال أن النضال للإفراج عن الأستاذ الخواجة ليس مجهودا (شخصيا) أو (فرعيا) بقدر ما هو نضال رمزي يمكن الولوج من خلاله إلى تحقيق كل ما من شأنه منع صدور قانون ربما يحمل في ذاته إيحاءات قانون أمن الدولة .. وهذا ما حدث بالفعل من خلال عزم السلطات الأخير على الإعلان عن قانون لازال قيد الدارسة لاعادة النظر في إجازات المسيرات والتظاهرات والتجمعات العامة .

 

  وفي الثانية ظننا أنها بديلا ثقيل الظل عن واقع إداري تمثيلي طائفي على جانب المؤسسات الشعبية والرسمية المدنية معا، بينما واقع الحال يشير إلى أن المجلس العلمائي بات يشكل لونا واحدا من ألوان النضال الاجتماعي في بلادنا ولكنه يسعى لأن يكون مركزيا ، وذلك حق لزعمائه يدورون معه أينما دار .. ولكن هل يستحق واقع الحال هذا سكوت زعمائه وأعضائه المؤسسين على المحاولات الساذجة التي تصدر هنا وهناك لتدمير كل بنى المجتمع ونخبه في سبيل جعل هذا اللون الاجتماعي أو ذاك السياسي مركزيا بالفعل والقوة في وقت يعلم الجميع بأن السلطات كانت اكثر حذرا من علماء الدين المستقلين عن دائرة اللعبة وتوسع نفوذهم بين مؤسسات المجتمع المدني قبل الإعلان عن هذا المجلس العلمائي ، وكانت – السلطات- تأمل بفارغ الصبر خروج المتوارين خلف الجدر ودخولهم في وسط وقائع الصراع السياسي بلا وسائط حتى يلجون فيها بشكل مباشر فتكشف أحجامهم الحقيقية واتباعهم وما يقصدون وما يهدفون ، فيتشكلون رقما مضافا إلى بقية الأرقام المغصوب عليها . وهذا ما لم نكن نتمناه لأي مخلص لقضايا الشعب ومدافع عنه من بين علماء الدين الأفاضل.

 

   والآن .. لا سبيل للرجوع عما كان . فقد باتت الأمور كلها جلية وواضحة في عناصرها وأفكارها ورجالها ومواقفها ونظمها، وتَقَيد الجميع بالمؤسسات المدنية بلا استثناء أو مواربة ، وتظللت الأسماء كلها بظلال تجمعات شعبية أو نخبوية ، رسمية أو غير رسمية ، ما يهيئ للسلطات فرصا ذهبية ثمينة للعب بطريقة اكثر مكرا ودهاء ، فقد باتت الخيارات متعددة ومراكز القوى متناثرة . فهذا شأن السياسية والسلطنة والقدرة ، ويذكرني بمقولة أحد سياسيي واشنطن التي تقول :( كن ما شئت ، وافعل ما تشاء ، إن خيرا أو شرا ، ولكن عليك أن تكون محورا بين المحاور الشاخصة أو خاضعا لمحور من محاور السياسة مِن قريب أو مِن بعيد، مؤيد أو مناهض ، ولا حق لك أن تكون خارج إطار اللعبة أو شاذا عنها).

 

  إنها أصول اللعبة ، وعلينا أن ندرك بجد ذلك . من هنا أقول : لا مجال للسذج من ذوي الأقلام والمواقف الهابطة ، ولا مكان لهم بيننا منذ الآن ، فالأمر أضحى خطيرا والوطيس قد حمى وعلينا أن نكون اكثر وعيا وحذرا من ذي قبل ، وان نتحاشى اللعب بالكلمات السفيهة غير الموضوعية التي نظنها (دفاعية) تصدر عنا تأييدا أو مناهضة لهذا مقابل ذاك من أبناء وطننا ومؤسساته. ولو بقي الحال عامّا حتى تنقشع ظلال التوتر السياسي الذي راحت تعبث فيه بعض عناصر السلطات ، لكان تشكيل مثل هذا المجلس اكثر فائدة واكثر قدرة على تجاوز تبعات تأسيسه التي لا بد منها ، واكثر بعدا عن أنظار المتربصين بنا .

 

  فالخلاف ليس في أصل نشوء مؤسسة علمائية مركزية أو فرعية ، ولكن الخلاف في كيفية الوقاية من أبعاد لعبة الكبار وانعكاساتها ، والاستعداد لمداها على الصعيد الشعبي والمصلحة العامة فضلا عن كيفية علاج تبعات هذا النشوء والتأسيس في مثل هذا الوقت الحساس جدا .. فأول الغيث قطرات .. وأولى تبعات الإعلان عن تأسيس المجلس : إحداث فرز في الوسط الشعبي الطائفي ، وفرز في وسط الطائفة ذاتها ، وفرز في المشروع السياسي برمته ، وفرز في البعد الاجتماعي ، وفرز في البعد المؤسسي .. شئنا ذلك أم أبينا. وهذا يتطلب من الجميع استدراك الأمور بأحسن الوسائل واستيعابها ، وتحمل مسؤولية الانفعالات المستجدة بألوان الوقاية والحماية وبالتي هي احسن ، ونشر الوعي في الوسط الشعبي بشكل مكثف بعيد عن المزايدات والعاطفيات . ولكنني على يقين بأن هذا الفرز ليس في صالح المجلس العلمائي ، بل ربما يساهم في نمو شوكة تيارات ومرجعيات أخرى منافسة ، لأنها ستصبح بذلك في حل من مسئولية التنسيق أمام المجلس العلمائي في طور انعزالها عنه – على فرض أنه فرض ذاته ممثلا مطلقا عن الطائفة- .

 

  فليكن المجلس العلمائي مركزيا ممثلا للطائفة وناطقا باسمها ، فما الضير في ذلك؟! .فهذه ليست قضية تستدعي كل هذه الفوضى عند السذج ممن يتصيد في المواقف أَسْودها فيشرع لذاته الحق في النيل ممن هم على غير أسماء لائحة هذا المجلس . إنما القضية هنا : ما الكيفية التي سيقدم بها هذا المجلس نفسه مسؤولا أمام الأطراف الأخرى من جنسه؟ وماذا سيقدم للناس في محنتها الفكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية؟ وكيف سيتخطى سوءات السلطات ومظاهر الفساد في قوانينها وعلاقتها بحقوق الناس كافة؟ وكيف سيعالج مسألة التعددية في التيارات الفكرية والمرجعية نظريا وعمليا؟ وكيف سيصنع متاريسه أمام القادم الخطر من خيارات السلطة؟ وكيف سيحافظ على كيانه أمام التحديات الداخلية في قوائم الأعضاء ورتبهم العلمية؟

 

  هذه تساؤلات أحق أن تُسأل وتلاحظ وتناقش وتقيم وتقوم.

 

كريم المحروس

2/10/2004م

 

طباعة : نشر:
 
يرجى كتابة التعليق هنا
الاسم
المدينة
التعليق
من
رمز التأكيد Security Image
 
جميع الحقوق محفوظة لشبكة النعيم الثقافية © 2003 - 2024م