هي عاصمة باكستان.. أم باكستان عاصمة لها؟!
«النعيم» غزتها الجالية الآسيوية.. وأهاليها أقلية!

يخيل لك من الوهلة الأولى من مدخلها إلى أحيائها القديمة أنك دخلت في شمال غربي باكستان، وبالتحديد عاصمتها إسلام آباد، أو عاصمة الهند بومباي.. ملامح القرية قد بدت مختلفة تماماً عما كانت عليه قبل عقدين أو 3 عقود من الزمن، فمشاهد مهنة «القلافة» والمعنية بصناعة السفن المشهورة بها قرية النعيم قد اختفت ملامحها من القرية تماماً، إضافة إلى البحر الذي يصل إلى المنازل الواقعة بالقرب من موقع مستشفى النعيم الحالي، كما أن الزراعة فيها قد انتهت هي الأخرى وتكاد تكون خالية منها القرية بعدما كانت تتمتع بها النعيم في الجهة الشمالية قديماً والقريبة من البحر آنذاك.

النعيم تعتبر ضاحية من ضواحي المنامة (العاصمة)، حيث كانت النعيم حياً من أحياء المنامة، ولكن بحكم التوسع العمراني في القرن الماضي وازدياد عدد سكان القرية ورقعتها الجغرافية أصبحت النعيم مستقلة عن المنامة، إلى أن تحولت إلى عاصمة آسيوية نظراً إلى الجالية المنتشرة بين الأقلية من الأهالي الذين بقوا بالمنطقة، خصوصاً في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، حيث شهدت فيها تلك الفترة نزوحاً جماعياً من القرية، ما جعل الجالية الآسيوية تسيطر وتتحول إلى الأغلبية.

أبو أحمد يتساءل
أبو أحمد أحد رجالات قرية النعيم، وهو رجل في نهاية عقده الأربعيني، شاء له القدر أن يخرج من القرية التي ولد وترعرع فيها بين مآتمها لضيق المساحة في منزل والده، وذلك في العام 1985 ميلادية بعد الحصول على منزل إسكاني. «الوفاق» التقت أبا أحمد حيث بدأ حديثه بتساؤل لا يخلو من حسرة: «هل النعيم هي عاصمة باكستان أم باكستان هي عاصمة النعيم؟!».

يقول أبو أحمد «الفرق بين النعيم الحالية - ونحن في مطلع العام 2010 - والنعيم القديمة فرق كبير كبير جداً، بالأمس لم يكن هناك جالية أجنبية تزاحم الأهالي في تجارتهم أو يسكنون بجوارهم، والكل منا رجالاً ونساء في القرية يقضي حاجته اليومية من السوق بسهولة ولم تكن هناك أي صعوبة تذكر، أما اليوم فلكم أن تكتشفوا صحة سؤالي عن العاصمة الباكستانية بمجرد دخولكم لحي النعيم ابتداءً من المقبرة حتى وصولكم لوسط القرية».

أهالي النعيم.. «غرباء»
وأضاف أبو أحمد: «العائلات التي بقيت في النعيم يعتبرون اليوم غرباء في دارهم، وتجدون بجانب كل منزل يقطنه ابن القرية ممن بقوا ومن دون مبالغة 10 منازل من الجالية الآسيوية، وأكثرها من الجالية الباكستانية والهندية، وكأنكم دخلتم إلى إسلام آباد أو مومباي، وتؤثر تلك المزاحمة في الحصول على مواقف للسيارات في المناسبات الدينية، خصوصاً أننا مقبلون على ليلة تنتعش وتزدحم فيها قرية النعيم بالحضور وهي ليلة أربعين الإمام الحسين (ع) ووفاة الني (ص)».

وعن سبب خروجه من القرية في وقت كانت النعيم تصحو الانتعاش الاقتصادي، قال: «أنا كغيري من أهالي القرية في الثمانينات لعدم وجود مشروع إسكاني بالقرية حصلنا على وحدات خارج القرية، وكانت في تلك الفترة البيوت الإسكانية منتشرة في مدينة حمد بشكل كبير ولم تكن موجودة في القرى، لذلك خرجت من القرية التي أنجبتني».

أما بخصوص البحر الذي كان ملاصقاً لمنازلهم، فقال عنه أبو أحمد «لم تستفد القرية من ردم البحر لا من قريب ولا من بعيد، على الرغم من أن الأهالي ظنوا آنذاك أنهم سيستفيدون بمخطط إسكاني من خلال ردم البحر، إلا أننا تفاجأنا بأن البحر الذي يسترزق منه آباؤنا ردم من أجل المشاريع الاستثمارية الخاصة ومنها الفنادق والمجمعات التجارية المملوكة للدولة».

المؤمن: عُرفت النعيم سابقاً بالتجارة
إلى ذلك، قال ممثل الدائرة الثالثة بالعاصمة النائب الشيخ جاسم المؤمن «أهم نقطة تميز منطقة النعيم سابقاً هي الكثافة السكانية والتلاحم والترابط بين أهالي المنطقة، وهو مدخل يشهد له الكثير من القرى، كما أن أهالي المنطقة يُعرف عنهم ارتباطهم بالسوق والتجارة منذ زمن بعيد، ودائماً ما تجد هناك في تلك الفترة دخلاء للفتنة بين تجار القرية، إلا أن فزعة الأهالي والهمّة الجماعية تقف حائلاً لأولئك الدخلاء، وكانت آنذاك صورة التجارة جميلة لما فيها من تعاون بين الأسر المنتجة والأسر الفقيرة».

الجالية الآسيوية.. طوفان يغرق القرية
وأضاف المؤمن «هناك أسباب عديدة جعلت من تلك الصور ذكريات تروى فقط ولا أثر لها في وقتنا الحالي، والسبب يعود للهجرة الجماعية التي ضاقت بهم المنازل القديمة المتهالكة، خصوصاً أن الرقعة الجغرافية لا تسمح للقرية بالتوسع أكثر، وهذا ما أجبر من أهالي القرية على النزوح لخارج المنطقة، كما كانت هناك طبقة من الأهالي لديها القدرة المالية لشراء منزل أو أرض خارج المنطقة وهي الأخرى قد نزحت، ما أدى إلى زحف الجالية الآسيوية بشكل طوفان وأعاصير أدت إلى غرق القرية، التي يعاني منها ما تبقى من أهالي المنطقة».

وتابع «هناك صورتان متناقضتان تماماً للمنطقة؛ الصورة الأولى هي مشاهد وصور حية للمناسبات الدينية في القرية التي دائماً ما تعج بالأهالي والزوار، إضافة إلى ليالي الجمع وتجمع الأسر في المنازل التي نطلق عليها (البيت العود)، وهم في الأساس من كانوا يقطنون النعيم قديماً، والصورة الأخرى هي بقية ليالي الأسبوع والتي غالباً ما تكون فيها أحياء المنطقة شبه مهجورة وخالية من البحرينيين، إلا ما ندر بي هنا أو هناك، ما يجعل ليلها موحشاً، وغالباً ما تجد الجالية الآسيوية هي التي تتحرك بشكل دائم في القرية».

وأشار المؤمن إلى أن «هناك مشاكل عدة تجتاح القرية وأهمها جل من يقطن المنطقة يملكون طلبات إسكانية قديمة، وهاجس الانتظار مازال يطاردهم على اعتبار أن القرية لا تجد بها مشاريع إسكانية لعدم توافر الأراضي فيها وليس بالإمكان إقامة مشروع امتداد القرى فيها أيضاً، والمشكلة الأساسية كما ذكرنا والتي تؤرق المنطقة والمجتمع أجمع هي مساكن العزاب الآسيويين والتي دائماً ما تزاحمهم وهي في ازدياد، كما أن كثر الفنادق اللصيقة بالقرية والتي تعتمد على السياحة غير النظيفة يعاني منها الأهالي الكثير ويعيشون قلقاً على أبنائهم من جراء الخمور المنتشرة في أزقت النعيم والمنامة».

وكشف المؤمن في ختام حديثه لـ «الوفاق» أن «وزيرة الثقافة والإعلام الشيخة مي هي الوزير الثالث ممن جلسنا معهم أنا والممثل البلدي صادق رحمة لحل مشكلة الفنادق وما تفرزه من سوء أخلاق طارئة على مجتمعنا الإسلامي، إلا أن ذلك لم يحرك ساكناً للوزراء الثلاثة».

غرف يسكنها 10 أفراد
وبدوره، علّق ممثل الدائرة البلدي صادق رحمة بأن «عدداً كبيراً من الأهالي شكا تزايد ظاهرة سكن العزاب وتعدد العائلات في شقة واحدة بشكل لافت للنظر، وخاصة بعد اكتشاف العديد من المخالفات، ومنها وجود أكثر من 10 أفراد في غرفة واحدة، إضافة إلى عدد من الغرف مقسمة بالخشب إلى كرفانات حتى تستوعب عدداً كبيراً من العزاب، إضافة لغرف خشبية تفتقر إلى أبسط قواعد الأمن والسلامة».

وأشار إلى أن «الوضع ينذر بحدوث مشكلات أكبر في حال نشوب حريق في هذه الأماكن المزدحمة كما حدث في مجمع ,302 وهو ما يتطلب اتخاذ إجراءات قانونية صارمة وحازمة ضد هذه الظاهرة، وإبعادها عن الأحياء السكنية».

وأضاف «كما ظهرت في الآونة الأخيرة على السطح الكثير من المشاكل التي يسببها تواجد العمال الأجانب وسط الأحياء السكنية التي تقطن فيها العائلات، فلم تعد هذه المشاكل تقتصر على ما يسببه العمال العزاب من إزعاج ومضايقات معيشية للأهالي بل تعدى الأمر إلى حد تسبب بعض من هؤلاء العمال في ارتكاب جرائم أخلاقية».

ولفت إلى «تعرض العديد من الأطفال إلى جرائم التحرش الجنسي من قبل بعض العمال، ما بات يشكل قلقاً دائماً للأهالي ومضايقة شديدة للأطفال الذين تعودوا اللعب في الطرقات، فأصبح تواجدهم في الطرقات في مثل هذه الظروف أمراً محفوفاً بالمخاطر، وقد وقعت للعديد منهم حوادث تحرش وصلت إلى مراكز الشرطة وساحات القضاء وهي أوضاع تسيء للطفل وللأسرة أيضاً ومن شأنها أن تؤثر على مستقبله، فانتشار مساكن العمال الأجانب وسط الأحياء السكنية لم يعد خافياً على أحد، فهؤلاء العمال باتوا يحتلون حيزاً كبيراً من هذه الأحياء في ظل عدم اكتراث حقيقي من جانب المسؤولين في الدولة».

وأضاف «كذلك أصبحت أزمة سكن العزاب تشكل مصدر إزعاج وقلق للأسر المقيمة وسط الأحياء السكنية في ظل غياب الرقابة من قبل الجهات المسؤولة في الدولة والتقصير والإهمال الواضحين من خلال عدم الاهتمام بسلامة السكان، وقد تزايدت هذه الأزمة والكارثة في الآونة الأخيرة بشكل لافت للنظر، وهو ما يتطلب اتخاذ إجراءات قانونية صارمة وحازمة ضد هذه العمالة بإبعادها عن الأحياء السكنية التي تتكدس فيها بكثرة، وهو ما يشيع الخوف والذعر بين العائلات من دون وجود أي رادع».

وطالب في ختام حديثه «الدولة باتخاذ أسرع الحلول والتوصيات من خلال تعاون بعض الوزارات والمؤسسات والهيئات المعنية بالأزمة مثل وزارة الداخلية والصحة والبلدية في ظل غياب نص قانوني تمنع سكن العزاب وسط الأحياء السكنية بهدف حفظ الأمن وسلامة هذه العائلات من أي ضرر أو أذى».
الحوزة العلمية... أهم معالم القرية

ومن أهم معالمها الحالية والتي تتذكرها الأجيال السابقة هي مدرسة النعيم الثانوية للبنين المشهورة آنذاك بحراك طلابها السياسي، والتي شهدت أكبر وأضخم مسيرة طلابية في الثمانينات من القرن الماضي، وهي افتتحت في العام.1963

كما أن مجلس طلبة العلوم الدينية الذي أسس في العام 2001 وترأس دورته الأولى السيد محسن الغريفي، والشيخ منير المعتوق الحالية يعتبر من أهم معالم ومؤسسات القرية التي عرفت بجذورها العلمائية والتي خرّجت أجيالاً من العلماء من بينها العلامة السيد علوي والسيد عبدالله الغريفي.

سؤال إلى من يهمه الأمر
إلى من يهمه الأمر: هل سنرى إعادة تأهيل البنى التحتية للقرية التي عرفت بارتباطها بالعلماء والتجارة وأهمها مهنة «القلافة» التي كانت منتشرة في أوساط القرية ومن ثم عودة أبنائها الأصليين لتحيى من جديد فيها منطقة النعيم؟!