قالوا

 يعيش الجميع اليوم عصر الثورة المعلوماتية التي تنتشر فيها الأفكار و المعلومات بسرعة و سهولة من و إلى أي بقعة من بقاع العالم، و لكن ما فائدة هذا الكم الهائل من المعلومات في ظل هيمنة رأي واحد و فلسفة واحدة على نوعية هذه المعلومات، و أعني بذلك الولايات المتحدة الأمريكية التي تعكس بمثل هذه الأفعال حقيقة العالم الذي تمثله و تريد في نفس الوقت.

الأستاذ علي السكري
من الذي صام؟ الدرازيون أم النعيميون؟   |    في ذمة الله الشَّابة زهراء عبدالله ميرزا صالح   |   ذمة الله تعالى الحاجة جميلة حسن عبدالله    |   على السرير الأبيض الحاج خليل إبراهيم البزاز أبو منير    |   برنامج مأتم الجنوبي في ذكرى ولادة السيدة الزهراء    |   في ذمة الله حرم الحاج عبدالله سلمان العفو (أم ياسر)   |    في ذمة الله الطفلة زهراء جابر جاسم عباس   |   نبارك للأخ الطالب محمد حسن علي ثابت حصوله على الماجستير في إدارة الأعمال    |   رُزِقَ الأخ عبدالله علي آل رحمة || كوثر || 12/12/2021   |   دورة تغسيل الموتى    |   
 
 الصفحة الرئيسية
 نبذة تاريخية
 أنشطة وفعاليات
 مقالات
 تعازي
 شخصيات
 أخبار الأهالي
 إعلانات
 النعيم الرياضي
 تغطيات صحفية
 ملف خاص
 خدمات الشبكة
 المكتبة الصوتية
 معرض الصور
 البث المباشر
 التقويم الشهري
 أرسل خبراً
 اتصل بنا
 
تغطيات صحفية
 
المعالجة والتهذيب الشرعي واحتكار العلوم والمعارف
كريم المحروس - صحيفة الوقت - 2008/08/09 - [الزيارات : 2590]

المعالجة والتهذيب الشرعي
لم يمارس العلماء المسلمون دور الجبارين واحتكار العلوم والمعارف


كريم المحروس:
العدد 900 الجمعة 7 شعبان 1429 هـ - 8 أغسطس 200 

لم تكن المؤسسة التعليمية الدينية خلال عصر العلوم مُصنفة للعلوم النظرية والعملية في مدارسها ومعاهدها ومراكزها من حيث بُعدها أو قربها من التعاليم الإسلامية، ولم تكن العلوم تُستقى أو تُنمى خارج إطار هذه المدارس والمعاهد والمراكز، بل إن المؤسسة التعليمية الدينية كانت تضم علوم الشريعة وبعضاً من العلوم الإنسانية والرياضية والطبيعية. و''المتتبع للتاريخ بإمعان وبصيرة، يجد ما كان من شأن الدين الإسلامي والقرآن الكريم إزاء العلوم. فقد كان من موسوعاتها العلوم العقلية من الرياضيات والطبيعيات وما وراء الطبيعة. فالدين هو الذي قام بالدعوة إليها والترغيب في البحث عن دقائقها وأسرارها، وببركته وجد بين المؤمنين آلاف العلماء.. فموقف الدين بقرآنه الكريم تجاه العلم في العصر الحديث هو عين موقفه إزاء العلم في القرون الوسطى إلى عهد التجديد الغربي، فهو كان قبلا ولا يفتأ، يدعو العقل إلى التفكير والأبصار إلى الاعتبار، والآذان إلى الاستماع'' (''الإيمان والعلم الحديث''، ص51-52). 

نقد العلوم الوافدة وإعادة صياغتها

لم يكن علماء المسلمين في اختصاص علمي ما جهلة بقضايا الشريعة، إنما كانت الشريعة هي أساس منطلقهم وحركتهم ومن ثم توغلهم في العلوم بشتى اختصاصاتها، إلا منْ شذ منهم في شأن الرواية.
من هنا شهد عالمنا الإسلامي الكثير من مواقف الرفض أو النقد للكثير من النظريات الإغريقية والفارسية والهندية غير الصائبة، وعلى رأسها بعض مباحث الفلسفة انطلاقاً من مفاهيم إسلامية وليس تخصصية فحسب. فخالف علماؤنا أرسطو وأفلاطون وسقراط وغيرهم من فلاسفة اليونان في كثير من النظريات والآراء والسلوك الأخلاقي، ولم يتقيدوا بها أو يلتزموا بها التزاماً تقليدياً أو جامداً، بل أعملوا فيها العقل والشرع معا.
ومهد هذا الموقف العلمي والموضوعي الإسلامي الحضاري القدرةَ على صياغة العلوم الوافدة الأخرى بأشكالها المختلفة ووفق معطيات أشارت إلى نمو علمي إسلامي كبير شهدته المؤسسة التعليمية الدينية حتى توسعت أهدافها، فدعا الداعون إلى تأسيس علوم أخرى خاصة بالمسلمين، لما لها من مميزات واسعة تتجاوز عطاء العلوم الوافدة من الغرب الإغريقي أو الشرق الهندي أو الفارسي.
ورغم عظمة ما قدمه المسلمون من عطاء علمي كبير لم يسجل التاريخ بين علماء المسلمين من خريجي المؤسسة التعليمية الدينية منْ كان يدعو إلى وجوب احتكار العلم في الوسط العربي أو الإسلامي، إنما أشاعوه على عكس نظرية التحول العلمي لدى أوروبا، حيث عُرفت باحتكارها الحاد والمقنن ''وأصبح احتكار المدنية لأمم خاصة تقليدا شائعا متعاليا عن التمحيص والنقد، ومرد هذا الباب احتكار الغربيين للمدنية القائمة اليوم، وما هي في الحقيقة إلا عصارة الحضارات القديمة ورثها الغربيون عمن تقدمهم.
وقاموا عليها بالتزيين والتحسين والتلوين وطبعوها بالطوابع التي اقتضاها الوقت وانتحلوها لأنفسهم أصلا وفرعا. ولا تزال التنقيبات عن الحضارات القديمة تكشف كل يوم عن جديد يفضح هؤلاء المحتكرين ويقلل من غرورهم''(''آثار الشيخ محمد بشير الإبراهيمي''، ص258). 

احتكار العلم في المناهج الفلسفية الأوروبية

إن صفة الاحتكار للعلم جاءت وليدة المناهج الفلسفية لأوروبا دون سواها، وذلك برغم اقتباسها للعلوم والمعارف من المسلمين الذين انفردوا بحرصهم على الدعوة إلى العالمية والإنسانية والشمولية في مناهج الدراسات الدينية، وفي التعاطي مع العلوم والمعارف كافة.
ولم يشارك في عملية احتكار العلم في أوروبا بلد واحد أو لغة واحدة فحسب، بل إن بلاداً ولغات مختلفة شاركت في الاحتكار؛ لأن هذه الحضارة لم تظهر وفق إطار لغوي واحد، كما هي الحال بالنسبة لتطور العلوم والحضارة في بلاد المسلمين على اللغة العربية لوحدها، حتى صمدت قرونا مستقلة بلا حاجة إلى سند ألفاظ لغات أخرى، وبقواعدها وأسسها وسند القرآن الكريم لها أقامت ذلك الصرح العلمي الكبير.
ولعبت اللغة العربية المعتمدة في المؤسسة التعليمية المنتشرة في بلاد المسلمين كافة دوراً مهماً في الترجمة، رغم الاختلاف في الأعراق والأجناس بين الأقاليم والولايات، الأمر الذي ساهم بشكل كبير في وعي المسلمين للعديد من معارف وعلوم الحضارات والشعوب الأخرى على قواعد لغوية حافظت المؤسسة التعليمية الدينية على استقرارها ونموها وسيادتها على التخصصات المختلفة في الشأن الإنساني والطبيعي والرياضي، وشملت الفلك والطب والهندسة والآداب على وجه أخص، وتعتبر هذه من أهم الاختصاصات آنذاك، إلى جانب ذلك ''أن كثيرا من العلوم بنيت عليها الحضارة الغربية لم تصلها إلا عن طريق اللغة العربية بإجماع الباحثين منا ومنهم، وأن المنصفين منهم ليعترفون للغة العربية بهذا الفضل على العلم والمدنية ويوفونها حقها من التمجيد والاحترام.
ويعترفون لعلماء الإسلام بأنهم أساتذتهم في هذه العلوم، عنهم أخذوها، وعن لغتهم ترجموها، وأنهم ليحمدون الدهر أن هيأ لهم مجاورة المسلمين بالأندلس وصقلية وشمال إفريقية وثغور الشام حتى أخذوا عنهم ما أخذوا واقتبسوا عنهم ما اقتبسوا.
ولا يزال هؤلاء المنصفون يذكرون فضل معاهد الأندلس العربية ومعاهد شمال إفريقية ومعاهد الشام على الحضارة القائمة. ولا يزالون ينتهجون بعض المناهج الدراسية الأندلسية في معاهدهم إلى الآن، ولا يزالون يردون كل شيء إلى أصله ويعترفون لكل فاضل بفضله'' (ن.م ص261). 

الأبعاد التفاعلية في المؤسسة التعليمية للمسلمين

كل ذلك يؤكد على أن في الشريعة وأسس تعلم العلوم التي توفرها لمنتسبي المؤسسة التعليمية، ما يجعل منها مثيراً فاعلاً للعقول والأفكار والتجارب إلى حدود لا نهاية لها، وعطاء لا اضمحلال له.
وأكثر من ذلك، وضع علماء المسلمين لتطورهم العلمي شروطا وبراهين في عملية تعاطيهم مع العلوم الأخرى، وتعدوا ذلك أيضاً، ووصلوا إلى الجهر في القول بأحقية بعض العلوم وبطلان بعضها، ووضعوا أصولاً دينية وأخلاقية مؤسسة لعلاقةٍ متميزة مع علوم الأمم الأخرى، ولم يمارسوا دور الجبارين والمستكبرين في علومهم أو في إفاضتها على الأمم الأخرى؛ لأنهم أخذوا من منهج التعليم الديني تواضعهم للعلوم باعتبارها مادةً نظرية وعملية إنسانية أو طبيعية أو رياضية تستوجب البحث والتحقيق والتعميم بكل فوائدها إلى كل من هم بحاجة إليها، ولم ينظروا إلى مصادر العلوم الأخرى نظرة ازدراء واحتقار أو تصغير، فقد اعتبروها نتاج عقول تستحق كل تقدير، كما اعتبروها تجارب تستحق كل إجلال وتكريم، وقدروا علماء الأمم، وحملوا الاختلاف معهم في نظرياتهم وأفكارهم على محامل كثيرة وواسعة.
وهكذا سلك علماء المسلمين هذا المسلك القيم على قاعدةٍ من النصوص الدينية، فأبدعوا وتقدموا بالعلم إلى أسمى مراحله ومبانيه، سواء في الجغرافيا والفلك والكيمياء أو في علم الكلام والفقه والطب والصيدلة والملاحة وعلوم البحار والصوت والضوء أو في نظريات الخلق والنشوء، وفي الأرقام والحساب، وفي المراصد وآلات الإسطرلاب، وفي صناعة الورق، وغيرها من العلوم النظرية والتجريبية، حيث اعتمدوا الاستقراء إلى جانب الأدوات الأخرى كالقياس والتمثيل وغيره كوسائل وأسس بحث أفاضوا في إبداعها وتنميتها.
وبرزت في ذلك أسماء مشهورة لامعة، من بينها: العالم الشهير جابر ابن حيان الذي تميز بعلومه التجريبية في الكيمياء والطب، حيث أكد ابن حيان على وجوب تبني التجارب للحصول على المعارف، خصوصا في علوم الطب والكيمياء. ولا يخفى على أحدٍ من الباحثين في الشأن التاريخي والعلمي أن ابن حيان كان عالما كبيرا في الفقه تلقى علومه في مجال النص الديني والمجالات الكيميائية والطبيعية والإنسانية عن أبي المدرسة الدينية الكبرى الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)، صاحب المسجد الكبير الذي تخرجت من مدرسته الألوف من العلماء والفقهاء. 

الثقافة والرفاهية في المجالات المختلفة

نجم عن كل ذلك مصطلحاتٌ وألفاظ جديدة لم تكن متداولة من قبل في سبر أغوار العلم، من نحو: الحواس، والبرهان، والعقل، والفحص، والمنطق، والمنهج، والتجارب المخبرية وما أشبه، التي تدل على شدة ولوج العلماء المسلمين في أعماق العلوم وأغوارها.
فكانت علومهم موضع اقتباس من قبل الأمم الأخرى، ولا تقارن هذه العلوم بالعلوم القديمة التي توصلت إليها الحضارات الأخرى قبل الإسلام من حيث وجودها وجودتها أو من حيث محتواها ومدلولها وبعدها الأخلاقي.
فبعض النظريات لم تكن في أصل الأمر متواجدة لدى علوم الإغريق أو الفرس أو الهنود أو الصينيين من قبل، كما أن بعض العلوم المستحدثة عند المسلمين لم تكن على هيئتها عند الغرب وغيره.
فكان للبعد الثقافـــي في المؤسســـة التعليمــية الدينية دور كبير في إطلاع المــدارس الديــنية وعلمــاء المسلمين على الثقافات والحضـــارات الأخرى، وكـــان عاملا كبيرا في نمو واتساع دعائم الثقافة ذاتها، ما جعل حــياة المسلمين في لون مناسب من الرفاهية في مجالات مختلفة.
كما ازدادت اللغة العربية توسعا في الكثير من الألفاظ والتعبير والمصطلحات العلمية المستخدمة نتيجة التوسع الكبير في النقل والترجمة. ومن النتائج أيضاً كان تطور الأدب العربي الذي توسعت قاعدته. 

الحاجة إلى التجديد المؤسسي وإصلاح المناهج

ازداد الفكر الإسلامي تطورا ليسع اندماج الكثير من ثقافات الأقوام الأخرى.
وبذلك نالت المؤسسة التعليمية الدينية قدرة كبرى في العطاء الإنساني على مستوى العالم أجمع. فلو لم يقصد المسلمون خلق اتصال عن قرب مع الحضارات والثقافات الأخرى، لكانت الثقافة الإسلامية وعلومها جامدة في حدود بلاد المسلمين.
لكن الوقائع أثبتت أن المؤسسة التعليمية الدينية كانت مدركة أن حصر العلوم والثقافة في بلادٍ محددة دونما تفاعل مع الثقافات الأخرى يُعد عاملاً أساسيا في تقويض وانتهاء أثر الكثير من الثقافات أو جمودها.
ومع كل هذا العطاء العلمي الثري لم يذهب المسلمون كثيرا في تطوير أصول ومناهج المؤسسة التعليمية الدينية ذاتها، والتي كانت تعتبر القاعدة الأساس للتطور العلمي، واكتفوا بعد ذلك بدعم حركة الإبداع في خارج هذه المؤسسة بعد انشغال السلطة بمشاكلها الداخلية وبالحروب التي كانت تنشب بين فترة وأخرى.
وكانت المؤسسة التعليمية الدينية آنذاك بحاجة إلى عون مؤسسي ومنهجي جديد يجعلها أكثر قرباً من حركة المجتمع المشغول بهموم الأمن الداخلي.
كما أن المؤسسة ذاتها انشغلت بمحاربة بدع الفلسفة والتصوف والتصوف الفلسفي التي اجتاحت إسبانيا وشمال إفريقيا، وأخذت طريقها سهلاً مُيسراً إلى بقية مناطق المسلمين في آسيا، فقلل هذا الانشغال من حظوظ التجديد المؤسسي والإصلاح في مناهج الدراسات الدينية.

طباعة : نشر:
 
يرجى كتابة التعليق هنا
الاسم
المدينة
التعليق
من
رمز التأكيد Security Image
 
جميع الحقوق محفوظة لشبكة النعيم الثقافية © 2003 - 2025م