قالوا

 يعيش الجميع اليوم عصر الثورة المعلوماتية التي تنتشر فيها الأفكار و المعلومات بسرعة و سهولة من و إلى أي بقعة من بقاع العالم، و لكن ما فائدة هذا الكم الهائل من المعلومات في ظل هيمنة رأي واحد و فلسفة واحدة على نوعية هذه المعلومات، و أعني بذلك الولايات المتحدة الأمريكية التي تعكس بمثل هذه الأفعال حقيقة العالم الذي تمثله و تريد في نفس الوقت.

الأستاذ علي السكري
من الذي صام؟ الدرازيون أم النعيميون؟   |    في ذمة الله الشَّابة زهراء عبدالله ميرزا صالح   |   ذمة الله تعالى الحاجة جميلة حسن عبدالله    |   على السرير الأبيض الحاج خليل إبراهيم البزاز أبو منير    |   برنامج مأتم الجنوبي في ذكرى ولادة السيدة الزهراء    |   في ذمة الله حرم الحاج عبدالله سلمان العفو (أم ياسر)   |    في ذمة الله الطفلة زهراء جابر جاسم عباس   |   نبارك للأخ الطالب محمد حسن علي ثابت حصوله على الماجستير في إدارة الأعمال    |   رُزِقَ الأخ عبدالله علي آل رحمة || كوثر || 12/12/2021   |   دورة تغسيل الموتى    |   
 
 الصفحة الرئيسية
 نبذة تاريخية
 أنشطة وفعاليات
 مقالات
 تعازي
 شخصيات
 أخبار الأهالي
 إعلانات
 النعيم الرياضي
 تغطيات صحفية
 ملف خاص
 خدمات الشبكة
 المكتبة الصوتية
 معرض الصور
 البث المباشر
 التقويم الشهري
 أرسل خبراً
 اتصل بنا
 
تغطيات صحفية
 
جميلة..الطبخ كلّه في الشمّ
صحيفة الوقت - حسين المحروس - 2008/04/06 - [الزيارات : 3240]

جميلة..
الطبخ كلّه في الشمّ

حسين المحروس:
''إنّها امرأة طباخة، وتحبّ الحياة''. هذه الجملة الأولى التي وصلتني عنها. لا أحتاج إلى أكثر من ذلك لفتح شهية البحث عنها، للالتقاء بها، للكتابة عنها، لتصويرها أيضاً. ورغم أنّ هذه الجملة تكفي لكتابة طويلة، وأنها تختزل سيرة امرأة تَعِبة لكني كنت أعرف جيداً أنّ اللقاء لن يكون ممتعاً كثيراً، مستفزاً ما لم أذهب إليه بمعلومات عنها من هنا وهناك.
بدأ السؤال عن المكان أولاً، عن حيّ ''البوخميس'' جنوب كازينو المحرق. سِير النساء تبدأ من المكان لا من الزمان. تعرفت على الحي من صور الفوتوغرافي القدير عبد الله الخان، الذي رأى المحرق كثيراً، ومن سيرة تاجر اللؤلؤ ''جمعة البوخميس'' الذي ترك لقبه في الحيّ وغادر. سألت أحد الأصدقاء عن حي ''البوخميس'' فتحدث لي عن خريطة سَيره طفلاً من باب بيت أبيه إلي حي ''البو خميس''. عرفت أنّ المعرفة أيضاً مجموعة سِير، ومجموعة ذكريات. هي ذاكرة ينبغي التحدث عنها دائما. طلبت من هذا الصديق ''حدثني عن أم بدر'' فقال ''إنّها محرقيّة'' ثمّ حلا له الكلام. في اليوم الذي خصصته لتصوير ''أم بدر'' كتبت لي أمنيتها الصغيرة في ورقتين صغيرتين، وقعتها باسم ''محرّقية'' قالت ''ممكن تنشر هذه الأمنية؟''

بهارات أم جميلة
في حي البوخميس كانت والدة جميلة تحسن صناعة البهارات، وخلطها على قدر يهبها ثقة متذوقيها. تراقب الطفلة ''جميلة'' أمّها، تدخل معها المطبخ وتلتذ بمراقبة مراحل طبخ الأطعمة. الذين يجدون في المراقبة متعتة لا ينسون، فكيف إذا كان المراقب طفلاً؟ تسمح الأم لطفلتها أن تساعدها في إعدادات ما قبل الطبخ، فلما اطمأنت على حذرها جعلتها تطبخ بعض الأطعمة التي لا تحتاج نشاطاً طويلاً. تقول جميلة ''فلما دخلت المدرسة تولعتُ بالطبخ أكثر. صرتُ أستمتع به أكثر. أطبخ فأحصل على مدح الأقرباء والصديقات. عرفتُ أنّي قادرة على إتقان بعض الوجبات. كان الإطراء يعني لي الكثير.''
بعد إنهاء دراستها الثانوية عملت'' جميلة'' محاسبة في مصنع الكندادراي مدّة ثمانية شهور وصار لها صديقات من حيّ ''النعيم''. غادرت المصنع وعملت في أحد المطاعم في المحرق. كانت الطباخة العربية الوحيدة فيه. تطبخ أكثر من عشرة أصناف محلية وغيرها: غوزي، مرق اللحم، معكرونة، مجبوس السمك، مجبوس اللحم، الرز الأبيض، المضروبة بالدجاج، الكوشري، وغيرها. تقول جميلة '' عندما أبدأ الطبخ أنسى همومي. أنسى كلّ شيء؛ لذا أكره أن يقاطعني أحد ساعة الطبخ، أو تأتي عقبة لا أنتظرها''.
حالي بينهم
في الصباح تأخذ ''جميلة'' أولادها السبعة إلى مدارسهم، تزور أمها في الصباح وتشرب معها الشاي ''لا أستطيع أن أبدأ يومي دون زيادة أمّي.. أمي حبيبتي أخشى أن تصيبها الوحدة''. تنتهي من إعداد الوجبات في الظهيرة فتخرج تجمع أولادها من مدارسهم ، ترتاح قليلاً قبل أن تبدأ في إعداد وجبات العشاء. ظلت ''جميلة'' في هذا المطعم أربع سنوات. غادرته بعد مضايقات فلم يهتم مدير المطعم بخروجها إلاّ بعد أن تأثرت المبيعات سلباً، وكثرَ السؤال على غياب ''جميلة''. تقول ''كنتُ الوحيدة التي تطبخ الأكلات العربية كلّ يوم، بينما يكتفي الآخرون بالمشويات. كان هذا حالي بينهم حتى أيام الأعياد. أحضروا طباخاً آسيوياً فدربته على كلّ شيء، ولم يكن في بالي أنّهم يخططون لمضايقتي. تدنى مستوى المبيعات في المطعم. لقد نسوا بشكل غريب أنّي كنت أحضر البهارات بنفسي. أنتقيها بعناية، أغسلها قبل طحنها، أنشرها للشمس والهواء فإذا حان ميقاتها طحنتها بنفسي أيضاً. فلما غادرتُ تغيّر طعم كلّ شيء''.
حالي دونهم أسرار
بعد مغادرتها المطعم ظلّت ''جميلة'' في بيتها ثلاثة شهور ترتاح فيها، وتخطط لمشروع مستقل، تدير كلّ شيء فيه. يميل محترفو الطهو إلى ألا يكون عليهم ولي، ولا ما يحدّ من حرياتهم في ابتكار أصناف جديدة من الوجبات. لم ينحصر خروج ''جميلة'' في تلك المضايقات، فعلى رغم اتصال مالك المطعم بها مرّات لتعود، أو الانتقال إلى فرع آخر إلاّ أنّها رفضت. في فيلم (Woman on top) تغادر ''إيزابيلا أوليفيرا'' مطعم زوجها، وتغادر القرية بأسرها خفيةً بعد أن صار زوجها '' توتينيو'' يحدّ من حريتها في الطبخ، وصار إبداعها في الطبخ ينسب إليه، لا إليها. كانت تقول ''إنّه يكتم نفسي''. لكنها لم تقل ذلك لأحد في قريتها، كما أنها لم تحتمل خيانته مع امرأة ليل، ولم تتقبل تبريره وهو يصرخ في وجهها ''إيزبيلا أنا رجل، هل تفهمين؟''.
جاء ''جميلة'' اتصال من أخيها حكى لها فيه عن نيّة أحدهم في بيع مطعمه في حيّ ''البوخميس'' فلم تتردد في دخول مغامرة جديدة تعيد فيها نشاطها الذي تصفه كلّ لحظة بـ ''الممتع''. هذه المتعة في العمل في المطعم عبّر عنها ولدها الشاب ''بدر'' (25 عاماً) في جواب على سؤال ''نوفيلا'':
نوفيلا: بدر.. أنتَ تساعد أمّك هنا لأنّها أمّك فقط؟
بدر: هي أمّي التي أحبّها، لكن في العمل هنا شيء من المتعة.
بدأت ''أم بدر'' العمل في المطعم بمساعدة رجل آسيوي واحد، سرعان ما أصبحوا خمسة كلّهم يجيدون الطبخ على طريقة ''أم بدر'' التي لا تهتم بنقل خبراتها في الطبخ إلى أيّ شخص مهما كان.
نوفيلا: هذا غير صحيح ''أم بدر''! ألا تخفين بعض أسرار الطبخ عن تلاميذك؟
أم بدر: لا.. أعلمهم كلّ شيء.
نوفيلا: لكن لا أحد يفعل ذلك وبكلّ هذه الثقة؟
أم بدر: أنا أفعل ذلك والله يوفقهم.
نوفيلا: لكن.. هذه الثقة التي أنت عليها تقول غير ذلك؟
أم بدر: تعليم أسرار الطبخ لا يعني فهم كل تفاصيلها الصغيرة.. سرّ الطبخ في المقاييس وأنا لا أستخدم أيّة مقاييس معروفة غير راحة يدي، وتقدير عيوني. الذين أعلمهم كلّ شيء لا يملكون يدي، ولا عيوني.
نوفيلا: أمممم.. ألم أقل لك ذلك!
أم بدر: نَفَس الطبخ مقاييس أيضاً. ولو أنهم امتلكوا المقاييس فإنّهم لن يصيبوا في اختيار البهارات من السوق، التي تعتمد على حاسّة الشّم بالدرجة الأولى، اسمعْ: الطبخ كلّه في الشمّ.
نوفيلا: في الشمّ أم في اللون؟
أم بدر: انظر إلى هذه المرأة البيضاء.. كأنّها تغتسل بالحليب.
نوفيلا: جئنا من الحليب أيضاً.
الطبخ كلّه في الشمّ
في فيلم (Woman on top) تنتشر أساطير الطبخ في القرية الساحلية. فالفتاة ''إيزابيلا أوليفيرا'' التي تأتي من ''باهيا '' في البرازيل تكتشف لها قدرات هائلة في الطبخ بعد أن عجز أهلها عن إيقاف بعض العادات فيها عبر وسائل كثيرة لم تنجح منها إلا أسطورة عروس البحر. صارت طباخة مبدعة تنقل خبراتها للآخرين عبر تنمية حاسة الشمّ فيهم. تضع أنواعا من الفلفل الحار في أيدي المتدربين وتطلب منهم أن يتحسسوه أولاً بأيديهم، ثمّ يقربوه من أنوفهم. تختار نوعا من الفلفل البرازيلي يدعى ''ملاغيتا ''وتطلب منهم اكتشاف الفرق بينه وبين بقية أعواد الفلفل. كانت دائماً تقول ''الطبخ هو أن لا تخطط، ولا تستعد، لكن أن تشعر، أن تحسّ''. وعندما تبدأ الطبخ تفوح الرائحة فتشغل الناس في الحيّ كلّه بشكل أسطوري لافت. عُرف عنها أنّ ''الطبخ إلهام''.
''أم بدر'' ورغم متاعبها والتزاماتها اليومية تشير إلى ''المتعة'' التي تأتي من عالم الطبخ، وإلى أنّ هذه المتعة أنواع وطبقات تأتي في قصص يومية تعيشها. تخرج إلى السوق، لتختار مواد الطبخ بنفسها: اللحم، السمك، الدجاج، الحبوب، الخضروات، البهارات، الزيوت، الصلصات. تقلبها بيدها بخبرة الطباخ القدير، تختار كلّ شيء بعناية وترافق سيرة تحوّل كل واحد منها في مطبخها المحرقيّ. تقول '' أفعل كلّ ذلك بنفسي. أتعب، أستمتع في كل مرحلة من مراحل طبخ عشرة أصناف من الطعام لوجبة الغداء وحدها، وأرتاح عندما أجد الرضا واضحاً في عيون الزبائن''. كأنّ الطباخ الماهر يشمّ رائحة أصناف الطعام بمجرد أن تأتي صورة الطبخة في رأسه. هو لا يشتري مواد الطبخ إلا بعد أن يرى صورتها النهائية مجتمعة، ويشمّ رائحتها.
في الصباح الباكر تبدأ ''أم بدر'' في إعداد وجبة ''البرياني''. لماذا البرياني بالذات؟ تقول ''لأنّه أسرع الوجبات وأيسرها في الإنجاز'' فإذا استوى غطته تحت نار هادئة ليتبخر ما فيه من ماء على مهل. تتركه ''يتسكّر'' هكذا قالت، وتبدأ في إعداد ''غوزي اللحم''، ثمّ ''جبسة السمك''، ثمّ ''هريس اللحم''، ثمّ ''المعكرونة''، ثمّ ''الرز الأبيض''، فإذا انتهت من كلّ ذلك بدأت تقلي السمك فلا تنتهي منه إلا قبل مجيء أول زيون بقليل. '' كنت حريصة على أن لا يبرد السمك، ويفقد الكثير من رائحته وطعمه''. تعود تفحص قدور الطبخ كلّها فإذا اطمأنتْ غادرت ترتاح قليلاً، ثم تعود لتشرف على بيع الأطعمة، ولتحية زبائنها . تغادر مرّة أخرى بعد الساعة الثالثة تتناول فيها الجَدّة ''أم بدر'' الغذاء مع أولادها. تعود إلى مطعمها في الساعة الخامسة لتعدّ أصناف أطعمة العشاء الخفيفة، وبعض الحلويات الشعبية. ينتهي اليوم باصطحاب أولادها في سيارتها يزورون بعض الأماكن وما بقي من الوقت للكلام في شؤونهم، وفي شؤون البيت.
حورية الطبخ
بعد تجربة مطبخ ''أم بدر'' خاضت نساء أخريات في المحرق، وفي أماكن أخرى من البحرين التجربة ذاتها، وصار لبعضهن شهرة. ''أم بدر'' تابعت نشأة بعض هذه المطاعم التي تقودها أو تشرف عليها نساء بحرينيات. انتقدت أكثرها. قالت ''زرت أكثرها فلم أجد إلا طباخين آسيويين يفعلون كلّ شيء. إنها طبخات محليّة بالنسخة الآسيوية. تمنيتُ لو أن صاحبات هذه المطاعم هن اللواتي يطبخن أو على الأقل يشرفن على الأصناف المحلية. كان أكثرها مطاعم مستعجلة لدر الربح السريع. تمنيتُ لو أنّ ذلك لا يحدث''
عمل والد ''جميلة''، وإخوتها في صيد السمك وبيعه، سرعان ما انضم إليهم ولدها ''بدر''. تقول ''كان بدر يأتي بالأسماك الطازجة فأعدّ له وجبة لا ينساها''. كانت قرية ''توتينيو'' تعتمد على صيد الأسماك، فلما اختفت زوجته ''إيزابيلا'' قبل عيد القرابين لحورية البحر، كفر بفعالية هذه الحورية وقداستها. رمى بشعلة ملتهبة في ماء البحر بدلاً من الورود والقرابين. غضبت الحورية وحبست السمك عن أهل القرية فترة طويلة. ولم يتوقف ذلك إلا بعد أن عادت ''إيزابيلا'' لزوجها بعد أحداث أسطورية كثيرة، وبعد حوارات طويلة قالت له فيها '' أنا أنتمي حيث أختار''. أم بدر تفعل كلّ شيء بنفسها، لم يُحبس البحر السمك عن أبيها وإخوتها من أجلها، لكن الناس يحبسون أذواقهم على إبداعها. ليس لها أمنيات غير استمرار محبّة الناس، ودعم الجهات المسؤولة في البلاد لها. لن تغادر حيّ ''البوخميس'' مهما حدث.

http://www.alwaqt.com/art.php?aid=107193
 

طباعة : نشر:
 
يرجى كتابة التعليق هنا
الاسم
المدينة
التعليق
من
رمز التأكيد Security Image
 
جميع الحقوق محفوظة لشبكة النعيم الثقافية © 2003 - 2025م