قالوا

 يعيش الجميع اليوم عصر الثورة المعلوماتية التي تنتشر فيها الأفكار و المعلومات بسرعة و سهولة من و إلى أي بقعة من بقاع العالم، و لكن ما فائدة هذا الكم الهائل من المعلومات في ظل هيمنة رأي واحد و فلسفة واحدة على نوعية هذه المعلومات، و أعني بذلك الولايات المتحدة الأمريكية التي تعكس بمثل هذه الأفعال حقيقة العالم الذي تمثله و تريد في نفس الوقت.

الأستاذ علي السكري
من الذي صام؟ الدرازيون أم النعيميون؟   |    في ذمة الله الشَّابة زهراء عبدالله ميرزا صالح   |   ذمة الله تعالى الحاجة جميلة حسن عبدالله    |   على السرير الأبيض الحاج خليل إبراهيم البزاز أبو منير    |   برنامج مأتم الجنوبي في ذكرى ولادة السيدة الزهراء    |   في ذمة الله حرم الحاج عبدالله سلمان العفو (أم ياسر)   |    في ذمة الله الطفلة زهراء جابر جاسم عباس   |   نبارك للأخ الطالب محمد حسن علي ثابت حصوله على الماجستير في إدارة الأعمال    |   رُزِقَ الأخ عبدالله علي آل رحمة || كوثر || 12/12/2021   |   دورة تغسيل الموتى    |   
 
 الصفحة الرئيسية
 نبذة تاريخية
 أنشطة وفعاليات
 مقالات
 تعازي
 شخصيات
 أخبار الأهالي
 إعلانات
 النعيم الرياضي
 تغطيات صحفية
 ملف خاص
 خدمات الشبكة
 المكتبة الصوتية
 معرض الصور
 البث المباشر
 التقويم الشهري
 أرسل خبراً
 اتصل بنا
 
تغطيات صحفية
 
ملائكة الأسماء......
جريدة الوقت....حسين المحروس - 2006/05/27 - [الزيارات : 4667]

                                           ملائكة الأسماء...

 

لا أحدَ من أهل حيّ النعيم بالمنامة يعرفُ لِمَ أُطلق على اسم " الملائِكة" على رجلين من الحيّ، لكن الجميع يعرفُ جيداً أنهما لا يُرَسلان إلا برسالات البَهجة والفرح إلى الحيّ كلّه، إلى الأسماء كلّها.

 قيل إنّهما من البحرين، وقيل جاءا من السواحل الشرقية لشبه الجزيرة العربية. الأوّل "علي" ولا يعرف أحد اسمه الثاني ولا الثالث! والرجل الثاني "حميد" ولا يعرف أحد اسمه الثاني ولا الثالث أيضاً. لكنك عندما تقول" علي المَلَك" أو " حميد المَلَك" لا تأتي إلا صورتهما. يقول الحاج عبد الله شمسان "لا أذكر أسميهما. لكني أذكر أنهما الملائكة."

لا ينافسهما أحدٌ في خفّة الحركة والجِدّ، ولا في معرفة أسماء رجال الحيّ. الأسماء كلّها كأنّها تُعرض عليهما فيعرفانها، ولا يُخطئان في واحد منها، ولا في موقع بيته، ولا حياته من مماته، ولا سفره من بقائه. كانا ذاكرة أسماء الحيّ.

 

 

            

    

 

منهاج الدعوة

يقتربُ "حميد المَلَك" من باب البيت بعصا غليظة، وقبل أن يقرع الباب، يلتفتُ إلى علي المَلَك يخبره باسم صاحب البيت. يعيد علي لفظ اسم صحاب البيت للتأكيد فقط، وقد يضحك قليلاً مهيئاً صديقه حميد المَلَك إلى أنّ لديه شيئاً عن صاحب البيت قد يسرده بعد قليل.

يقرع حميد الملك باب البيت بعصاه فإذا سمعا صوت استجابة أهل البيت، يبدأ علي المَلَك بتبليغ الدعوة كلّها رافعاً صوته. يقول النجار الحاج عبد الله حسن "كان صوت علي المَلَك يصل إلينا داخل البيت وهو على مسافة ثلاثة أو أربعة منازل عن بيتنا، فنعرف أنّ فرحاً يجيء قريباً."

صوته مميّز جداً، وجهوري، واضح، يُشبه أيَّ صوت ممزوج بفرح. لا يملّ سامعه حتى لو سمع دعوته مرّات. يفتح علي المَلَك البابَ قليلاً ويُدخل وجهه. لا أحد من أهل حيّ النعيم يغضب من فعله هذا، ولا يرى فيه أحدٌ هتكاً لحجاب البيت، فعَلي المَلَك بصيرُ العينين منذ دهر. و"ليس على الأعمى حرج"، كما يحلو للبصير الملا حسن بن خميس تذكير أهل الحيّ بهذه الجملة كلّما حاول أحد إحراجه.

يدخل علي المَلَك وجهه في البيت رافعاً صوته بدعوته التي تحمل تميّزه وسيرته معا. يهتمّ بها وكأنّه يتلوها لأوّل مرّة في كلّ مرّة " الحاج عبد الله وعياله معزومين الليلة العشا في بيت الحاج محمد علي وباجر (غدا) الريوق في نفس البيت" فيأتيه صوت النساء "الله يطرح البركة" 

وقد يتلو علي الملك دعوتين لشخصين مختلفين في صوت واحد، ونَفَسِ واحد، بينهما وقفة قصيرة جداً. وقد تتداخل الأسماء على الناس وتتداخل الدعوات ومواضيعها التي لا تكون إلا في فرح أو بهجة، لكن ذلك لا يحدث عند علي المَلَك. لم يحدث قط أن أفسد دعوة أحد. 

وربّما انشغل أهل البيت فلا يصغون جيداً لدعوته، عندها يرجونه أن يعيد تلاوة الدعوة فلا يتبرم، لكنّهم لا يفلتون من تعقيبٍ مُضحكٍ هامسٍ لا يسمعه إلا القريب منه.

وقد يهبط الملكان مرتين في اليوم الواحد بدعوتين مختلفتين، كلاهما في فرح. يذرعان الحيّ ولا يتعبان ولا يملاّن، جديران بتبليغ الدعوة، وإيصال الرسالة، يشغلان الحيّ كلّه: شرقه وغربه ووسطه وجنوبه، جاعلان من تجوالهما بالدعوات في الحيّ ذكرى بهجة لا تُنسى.

 

غشّ اللغة

يميّزهما الناظر حتى لو كانا بعيدين، فلا يذرع الحيّ أحدٌ من الرجال أكثر منهما، ولا يجول الحيّ رجلان يمسك أحدهما بيد الآخر غيرهما، قِصَرُ حميد ونحافته إلى جوار طول علي وعظم جسده الأسمر ميّزهما، مع طرافتهما، وسرعة الردّ عندهما على أيّ غشّ في لغة أو استبطان لباطل في جملة.

 يقترب منهما عابثون ينبزونهم بلقب جمعهما معا، وانتشرت صيغته بين ذكور الحيّ: (قالص ومقلوص)، على صيغتي (فاعل ومفعول) وتعني أنّ كل واحد منهما "جار ومجرور" لشدّة تلازمهما. وما إنْ ينتهي اللامز لهما بتلك الصغية حتى يأتيه الجواب الذي لم يتغيّر قط(.... يا ....)، يعرفه الذكور جيداً ويحفظونه، لتناسبه، وتشاكل السجع فيه، وشدّة القذع فيه. وإن عاد اللامز عادا لكنهما لا يعاديانه.

 

سكنٌ لجناحين

يتوقفان عن تبليغ الدعوة ضحىً، يتجهان نحو مسكنهما ينالان قسطا من الراحة ويأكلان. يروي الموظف حبيب نوح " كانا يسكنان في غرفة صغيرة جداً أسفل سلّم عمارة النعيم المطلة على شارع اللؤلؤ. غرفة؟ لم تكن غرفة بالضبط ويبدو لي أنّه لم يخطر في بال مهندسها أنّ ثمّة مَن سيسكن فيها في يوم ما"

ولأنّ علي المَلَك بصير كان أقل نشاطاً في إدارة شئون الغرفة. وما صعد أحد على سلم العمارة ولم يسمعهما يتحاوران. ظلاّ طويلاً قبل أن ينتقلا إلى غرفة الشيخ علي الخابوري قيّم مسجد الشيخ يعقوب في فترة غيابه الطويل المعتاد في سلطنة عُمان.

 كان باب الغرفة ينفتح على ميضأة المسجد مباشرة، وهو نادراً ما أغلق. ولأنّ للميضأة بابا إلى الطريق دون المرور إلى صحن المسجد، صار الوصول إلى المَلَكين سهلاً، وتواصلهما مع بَشر الحيّ أكثر، ولا دعوة بدونهما.

 

غياب الأسماء

توفي حميد المَلَك دون سابق إنذار. لم يفكّر أحدهما في رحيل الآخر، وليس ثمّة خطّة طارئة لديهما في تبليغ الدعوات والرسائل في ظرف كهذا. رحل حميد فرحلت معه الأسماء كلّها، وخارطة الحيّ. كان لعلي الملك عينه، وكتاب أسماء الحيّ. رحل الكتابُ ورحلت العين.

حزن على صديقه كثيراً، لكن لابدّ من اتخاذ شخص آخر، فكان الحاج عيسى بن نوح الذي لم يستطع منافسة حميد المَلَك في مواهبه تلك، فمن شروط تبليغ أيّ دعوة معرفة أسماء المدعوين، لكن الحاج نوح لم يكن يعرف من أسماء أهل الحيّ إلا القليل مما لا يتناسب مع شروط تبليغ الدعوات. تُعرض الأبواب عليه فلا يعرف أسماءها.

أوجد علي المَلَك صيغة جديدة للتحايل على محنة الحاج نوح. كانت الصيغة سهلة جداً، فكل رجل في الحيّ يمكن أن تسميه (الحاج) أو (الحجي) إذا لم تكن تعرف اسمه. تبدّلت  الصيغة (الحاج وعياله معزومين الليلة.....). انتبه بعض إلى غياب اسمه من الدعوات الشفوية لكن هذا البعض لم يكترث. صار غياب حميد المَلَك واضحا جداً.. غيابه مثابرة في غياب الأسماء.

وزادت محنة الدعوة عندما غادرت أسرٌ كثيرة الحيّ، وتنامى عدد السكّان الأسيويين في الحيّ، واتخاذهم منازل المغادرين القديمة سكنا لهم وفق مبلغ إيجار زهيد. هذه محنة الحاج نوح: فقدان الأسماء وغربة الحيّ الجديدة. مَنْ الذين يسكنون خلف هذه الأبواب؟ ما أسماؤهم؟! صار علي المَلَك يتلو دعوته حتى على أبواب الأسيوسين دون علمه. وقلّت الأبواب المفتوحة التي يستطيع علي أن يدخل وجهه في البيت كعادته. رأيت أسيويّا يصغي إلى دعوة المَلك، ثمّ يبتسم. 

لم يعطِ أهل الحيّ الحاج نوح صفة "مَلك". حتى بعد رحيله مع عائلته عن الحيّ. لم يبقَ في الحيّ إلاّ مَلك واحد لكنّه بدون أسماء.

 

 

عرس الجدران

صار نادراً أن ترى "علي المَلَك" يمرّ على بيوت الحيّ برفقة الحاج عيسى. تخفّف الحيّ من تكليفهما بإيصال الرسائل بعد أن صارت دعوات العرس والأفراح في بطاقات صغيرة مكتوبة باللون الذهبي، توزع قبل أسبوع أو عدة أيام من موعد المناسبة.

 تبدأ بطاقة الدعوة ببيتين من الشعر، يتأنق بعضهم في إدخال اسم الزوج، أو عائلة الزوجين معاً فيهما. وقلّما وضع اسم الزوجة في هذه البطاقة. استمرّ التزاحم بين دعوات المَلَك الوحيد والبطاقة، بين الصوت والكتابة.

 صارت غلبة البطاقة واضحة، مستغلة تراجع حيوية علي المَلَك، وميل الناس للبرستيج الجديد. يغيب صوت علي المَلَك وتظل البطاقة ذكرى تُلصق في أولى صفحات ألبومات صور الزواج. صار علي المَلَك يروي الحكايات كلّما حَنَّت له سيرة الدعوات، وسيرة الأسماء. صار ذاكرة صوتية.

في ظلّ هذا التنافس غير المتكافئ بدت ظاهرة جديدة في الحيّ، الاكتفاء بلصق إعلانات ورقية بخطّ بارد من خطوط الكمبيوتر على جدران الحيّ كلّه وقرب البرادات وزوايا تجمعات الذكور، والمساجد. صارت الدعوات للذين يقرؤون فقط.

 

                         

               

 

رحيل آخر الملائكة

توفي علي المَلَك بعد تراجع صحته، وتعاظم وحدته، وغربة صوته. رحل المَلَك الوحيد الباقي في الحي. ترك زاويته خاليةً في مسجد الشيخ يعقوب، وكرسي دكان الحاج أحمد نصيف. يقول حبيب نوح "فجأةً اختفى علي المَلَك، ولم أعد أراه على الرغم من تجاور بيت أبي ومسجد الشيخ يعقوب. لم أعرف أيضاً أنّه مات".

بدأت بطاقة الدعوة تختفي قليلا قليلاً، بعد أن ظهر منافسٌ جديد. منافسٌ افتراضي الوجود. رسائل إلكترونية قصيرة لا تتعدى 73 حرفاً(تحسب الفراغات بين الحروف من ضمن تلك الرسالة) تصل إلى الهواتف الجوالة لكلّ المشتركين من أهالي الحيّ كباراً وصغاراً وشباباً ونساءً مقابل اشتراك بمبلغ دينار واحد فقط قابل للتجديد.

 يدفع صاحب الدعوة سبعة دنانير فقط، نظير الإرسال مرّة واحدة فقط. تصلك الدعوة أينما كنت في العالم كلّه ما دام هاتفك مفتوحاً. صار الزواج والمناسبات تبدأ إلكترونياً لزوجين ربّما تعارفا إلكترونيا أيضاً.

 ونظراً لقلّة حروف الرسالة فإنّ ثمّة اختصارات فاحشة تطال تلك الدعوة "علي حسن يدعوكم غداً لحضور زواج أخيه محمد في المأتم الغربي الساعة 7 مساء" ولا شيء أكثر من ذلك.

 

المَلَك الافتراضي

صارت "شبكة النعيم"(Noaim Net) هكذا يسمونها، تُخبر عن كلّ شيء في الحيّ: زواج، خطبة، ختان، تأبين، معارض فنيّة، مسابقات، وفيات ،وهي الكثير حتى سماها بعضهم (شبكة الموت) يقول الأستاذ الجامعي نعمان الموسوي بعد أنّ وصلته رسالة  " هذه الرسالة من شبكة النعيم.. قبل أن أفتحها أكيد هناك شخص مات"

يقول مسؤول الشبكة الشاب حسن رضا الخرسي" بدأت الشبكة في نوفمبر/تشرين الثاني 2004. كان الإقبال على استخدامها والتسجيل فيها ضعيفين. ولأنّ إعلانات النعي كانت مجاناً فقد بدأنا نخسر، وندفع من جيوبنا. وفي شهر مارس 2005 سجّلت الشبكة –لأوّل مرّة- اشتركاً واضحاً، وإقبالاً على استخدامها. قلّت الإعلانات على الجدران"

تحوّلت شبكة النعيم إلى ذاكرة الحيّ إذا يمكن معرفة إحصائية دعوات الزواج وإعلانات النعي، ودعوات الحفلات، والمناسبات الشخصية والدينية عبر موقع الإرسال.

يُوضح الرسم البياني الذي وضعه الخرسي أنّ عدد الرسائل التي أرسلت في مناسبات مختلفة في شهر إطلاق الشبكة، نوفمبر/تشرين الثاني 2004 هو 8 رسائل فقط، استلمها 2186 مشتركاً فقط. ارتفع عدد هذه الرسائل في الشهرين التاليين لكنه عاد وهبط إلى 7 رسائل فقط في فبراير/شباط 2005، وهبط عدد المشتركين في أبريل/نيسان 2005 إلى 1577 مشترك فقط. لم يكن ذلك غريباً فقد كان الأسبوع الأوّل من هذا الشهر الميلادي متزامن مع الأسبوع الأخير من شهر صفر 1426هـ الذي لا تقام فيه جميع أنواع الحفلات المبهجة في الحيّ الشيعي.

ويُعدّ شهر يونيو/حزيران 2005 الشهر الذهبي لشبكة النعيم، إذ وصل عدد الرسائل المرسلة إلى 21 رسالة، استلمها 10635 مشتركاً.

لكن ماذا يحدث عندما لا يُلبي شخص دعوةً إلكترونية؟ يسأله المعاتب "ألم يصلك المَسج؟ لقد أُرسل إلى كلّ الأسماء؟" فيأتيه الجواب: لم يصلني المسج.. كنت خارج تغطية الشبكة.. ليس في هاتفي طاقة تكفي لتشغيله.. حُذفت المسج من غير قصد.. أصيب هاتفي بفيروس.. كان الهاتف عند ولدي الصغير.. احترقت بطاقة الهاتف فجأة.. سمعت صوت المسج لكني لم أرَ المسج.. تعطّل الهاتف نهائياً.

 انفتح باب للنكران أو الاعتذار بحجج كثيرة تُسهم الأخطاء الالكترونية، وأخطاء شبكة الاتصالات فيها.

رحم الله الملائكة  لم تكن تُخطئ.

طباعة : نشر:
 
يرجى كتابة التعليق هنا
الاسم
المدينة
التعليق
من
رمز التأكيد Security Image
 
جميع الحقوق محفوظة لشبكة النعيم الثقافية © 2003 - 2025م